شواهد عديدة تؤكد أهمية القطاع العقاري في اقتصادات الدول، يكفي منها أنه أحد محركات هذه الاقتصادات بما يمثله من نسبة لها اعتبارها من الناتج المحلي الإجمالي تتراوح ما بين (10 – 20%)، حيث يعد القطب الذي يدور في فلكه أكثر من تسعين نشاطاً خدمياً وصناعياً، منها ما هو مرتبط بمرحلة ما قبل الإنشاءات مثل مكاتب الدراسات والاستشارات العقارية والمكاتب الهندسية، ومنها ما هو مرتبط بمرحلة الإنشاء مثل صناعة مواد البناء المختلفة، كما أنه الوعاء الاستثماري لنحو 60% من ثروة المجتمع، بينما تتوزع البقية على الأسهم والودائع والتجارة وغيرها من الأدوات الاستثمارية الأخرى، واستقطاعه لنسبة لا تقل عن 60% من المواد الخام التي نستهلكها بوجه عام ويتركز معظمها في مرحلة أعمال الإنشاء والبناء، وما يتبعها من مراحل تالية، هذا بخلاف إسهامه في توفير ما لا يقل عن 10% من الفرص المتاحة في سوق العمل وغيرها من الشواهد التي لا يتسع المجال لسردها.
هذه الأهمية الاقتصادية للقطاع العقاري جعلت شركة (جونز لانج لاسال) المالية المتخصصة في مجال الخدمات العقارية تصدر في كل عام (مؤشر شفافية القطاع العقاري) الذي يتم من خلاله رصد وتقييم واقع القطاع العقاري من ناحية الشفافية في 102 من الأسواق العقارية حول العالم، ويتراوح تصنيف هذا المؤشر لهذه الأسواق التي يتم رصدها ما بين أسواق ذات شفافية عالية، وأسواق عديمة الشفافية، جاءت على رأس القائمة الأولى في آخر مؤشر صدر عام 2014 كل من الولايات المتحدة الأميركية وانجلترا وأستراليا، بينما جاءت في ذيل القائمة الأخيرة في ذات العام كل من ليبيا والسنغال وميانمار، المملكة احتلت في بيانات ذلك المؤشر في العام المشار إليه المرتبة 67 من بين كافة الأسواق العقارية التي تم رصدها بدول العالم، وصنفت بالتالي ضمن الأسواق منخفضة الشفافية على المستوى الدولي، أما على المستوى الإقليمي فجاء ترتيبها الخامس بعد أسواق مدينتي دبي وأبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ومملكة البحرين التي صنفت جميعها ضمن الأسواق العقارية متوسطة الشفافية.
تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة في مدينتي دبي وأبو ظبي في ذلك التصنيف للمؤشر، وحصولهما على المرتبتين الأولى والثانية على مستوى الأسواق العقارية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإن كانتا لا تزالان تعدان ضمن الأسواق العقارية متوسطة الشفافية كان من بين العوامل التي تدعمه إصدار دولة الأمارات العربية المتحدة لمؤشر عقاري متخصص متاح الاطلاع على بياناته من خلال موقع إلكتروني مصمم لهذا الغرض يظهر مواقع التداول اليومي للمنتجات العقارية التي تدخل السوق، كما يتضمن الرسم التوضيحي للصفقات اليومية وأعدادها وقيمها الإجمالية في كل موقع تجري فيها المبيعات لهذه العقارات.
السوق العقاري في المملكة ينبغي أن يتبوأ موقعاً وترتيباً أفضل في ذلك المؤشر ويرتقي لأن يكون ضمن الأسواق ذات الشفافية العالية، أو على الأقل ذات الشفافية، وألا يكتفي بأن يسعى في الأعوام القادمة لكي يتقدم خطوة فقط إلى الأمام للحصول على تصنيف سوق عقاري متوسط الشفافية، كما هو الحال في معظم أسواق دول مجلس التعاون، فهذا لا يتواكب مع اقتصاد دولة عضو ضمن مجموعة العشرين، وتمتلك سوقاً عقارية حجمها يزيد على ترليوني ريال.
إن الخطوة التي شرع فيها مشروع خادم الحرمين لتطوير مرفق القضاء باحتوائه على وحدة للمؤشرات تمثل في الواقع منصة لتوفير البيانات عن أسعار البيع التفصيلية للعقارات التي يتم إنهاء إجراءاتها من خلال كتابة العدل المنتشرة في المملكة المرتبطة بالنظام الإلكتروني لوزارة العدل، هي مرحلة أولى مبكرة قد بدأت ولكن تحتاج إلى خطوات أكثر فعالية من جهات اختصاص تتولى هذا الملف الاقتصادي المهم.