تفاعل عدد من ملاك الأراضي البيضاء داخل نطاق مدينة جدة مع تطبيق قرار مجلس الوزراء الأخير، بشأن الموافقة على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإعداد آلية لفرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، ورصدت “الاقتصادية” تحركات ملحوظة لملاك عدد من الأراضي في جدة الذين بدأوا في تطويرها، وهو ما يؤكد توجه الأسعار للانخفاض بسبب وفرة المعروض، مقارنة بالطلب.
قال عبد الله الأحمري، رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة جدة: إن مساحة الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن لا تقل 50 في المائة من مساحات المدن، موضحاً أن توجه الدولة كان صريحاً منذ بداية تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، إذ أكد في كلمته أمام الشعب والمسؤولين في الدولة أنه يولي مسألة تملك المواطنين للمسكن جل اهتمامه، بل جعل للإسكان الأولوية في قراراته الملكية.
وبين أن قرار الدراسة فرض الرسوم على الأراضي البيضاء واضح، ويفهمه الصغير قبل الكبير، إذ إن القيادة الرشيدة في الدولة تستهدف وضع خطة استراتيجية لتأمين السكن للأجيال القادمة، بطرق مدروسة، لافتاً إلى أن آلية تطبيق الرسوم واضحة من خلال دراسة سابقة، ولكن ينتظر التطبيق، والهدف من القرار خفض الأسعار، وإجبار الملاك على عدم المبالغة في تقدير الأسعار.
وأشار إلى أن توجه أصحاب الأراضي البيضاء لتطويرها يستلزم معه تفاعل أمانات المناطق مع القرار للإسراع في إنجاز معاملات المخططات والتخطيط، كي لا يكون لأصحاب تلك الأراضي ذريعة لتعطيلها، وأن يكون هناك شفافية من قِبل الأمانات في الإجراءات بينها وبين الجهات العدلية فيما يتعلق بصكوك تلك الأراضي، كي تؤتي توجيهات الحكومة ثمارها المرجوة.
ولفت إلى أن توزيع “الإسكان” لمنتجاتها في القريب سيسهم في خفض سعر العقار على المدى المتوسط، واصفاً السوق العقارية حالياً بـ”المريضة” بسبب تزايد الركود فيها منذ سنتين، وزيادة العرض عن الطلب، إلا أن المواطنين لا يستطيعون شراء تلك المعروضات بسبب محدودية دخلهم مقابل ارتفاع أسعار الوحدات المعروضة.
وزاد: “بناء على هذه المعطيات، وفي ظل استمرار وزارة الإسكان بتقديم كل متطلباتها، والأمر الملكي بضخ 20 مليار ريال للوزارة؛ فإن الأمور تشير إلى خفض حتمي للأسعار”.
واستدرك: “الوزارة تحتاج إلى التعاقد مع شركات قوية سواء محلية أو عالمية لتتمكن من تقليص معدلات الطلب المتزايد سنوياً، في ظل وجود قوائم الانتظار التي تتزايد عاماً بعد عام، وتلك الزيادة تحتاج إلى تقليص مستمر لتلافي التراكمات.
من جانبه، علق عبد العزيز العزب، عضو اللجنة العقارية بغرفة جدة، الرئيس التنفيذي لشركة عقارية، بأن تأخر فرض رسوم الأراضي البيضاء لم يتسبب في ارتفاع الأسعار، لافتاً إلى أن “الأسعار بدأت في الصعود، غير المبرر، قبل إنشاء وزارة الإسكان، لافتاً إلى أن وجود الأرض والمال دون الكوادر البشرية المؤهلة، من شركات مقاولات وشركات تطوير عمراني، ذات الإمكانات القوية الأزمة لتنفيذ العدد الكبير من المشاريع لوزارة الإسكان، هو التحدي الأكبر أمام الوزارة، وتحاول حالياً حله”.
وتابع: “أعتقد أنه من المناسب للوزارة أن تتوجه إلى الاستعانة بشركات عالمية لديها الإمكانات البشرية والمادية من معدات وآليات، حتى تستطيع أن تنفذ العدد المطلوب من الوحدات السكنية أو من المنتجات المختلفة لسد الفجوة بين العرض والطلب في السوق العقارية”.
واقتراح نائب رئيس اللجنة العقارية، على “الإسكان” عدم التوجه لشراء المخططات السكنية داخل المناطق العمرانية، موضحاً أن ذلك لن يحل مشكلة الإسكان للمواطنين، بل سيسهم في رفع الأسعار وانتهاء المبالغ الموجودة لدى الوزارة، والمرصودة لتوفير المنتجات المختلفة، ملمحاً إلى أن الحل الأمثل هو ما بدأت الوزارة في تطبيقه بالفعل من خلال شراء الشقق السكنية لمن وصل له الدور من المواطنين، وبسعر المنتج نفسه المُقدم من الوزارة، على أن يتحمل المواطن الفرق، إن كان هناك فرق.
ونصح عموم المواطنين بالصبر على وزارة الإسكان، ليروا ما يسر خاطرهم، متوقعاً أن تشهد هذه السنة، 2015، توزيعاً لآلاف المنتجات المختلفة على المستحقين حسب الأولوية.
واستبعد العزب توجه وزارة الإسكان لوضع “الشبوك” حول المساحات المخصصة لها، موضحاً أن “الإسكان” لم ولن يكون لها شبوك، إذ إن الوزارة ليست جهة للمتاجرة في الأراضي، إنما هي جهة حكومية تسعى لتوفير منتجات مختلفة تحقق حلم المواطن في امتلاك السكن المناسب أو الأرض المناسبة في مخططات مكتملة الخدمات جاهزة للبناء”.
وعن مستقبل الأسعار، خلال الفترة المقبلة، استبعد نائب رئيس اللجنة العقارية بغرفة جدة توجه الأسعار للارتفاع، مشيراً إلى أنها مرتفعة منذ فترة، ولا يوجد ارتفاع أكثر مما حصل خلال السنوات الماضية.
ولفت إلى أن “السوق العقارية تمر بحالة ركود وبدرجة كبيرة، وقد يعقب هذا الركود الحاصل مرحلة تصحيح في أسعار العقار في بعض المناطق التي لم يعد مبرر فيها الارتفاع، سواء المناطق الموجودة خارج النطاق العمراني أو المناطق التي لا تتوافر فيها الخدمات”.
فيما اعتبر الدكتور علي التواتي، الخبير الاستراتيجي، أن ملاك الأراضي لن ينتظروا فرض القرار ليبدؤوا بالتصرف بأراضيهم غير المستغلة، وهم فهموا مضمون قرار مجلس الوزراء الأخير، إذ إنه يصب في مصلحة المواطنين والملاك والمدن التي تقع فيها تلك الأراضي، ولا أعتقد أنهم سيقفون في وجه هذه المصلحة، خصوصاً أنهم يعلمون أن توجه الملك هو إنهاء أزمة السكن، وهم لا يقلون وطنية عن غيرهم من المواطنين.
ولفت إلى أن الملاك الأراضي ليسوا أغبياء حتى ينتظروا أن تفرض عليهم الرسوم، ويدفعوا من حر مالهم على تلك الأراضي حتى لو كانت تلك الأموال قليلة، كما أن الدولة ليست بحاجة إلى تلك الأموال التي سيدفعونها، إنما هدفها الأول والأخير هو تحفيزهم وتشجيعهم ليزيدوا من ثرواتهم.
وقال حسين الغامدي، مسوق ومثمن عقاري معتمد، إن تحديد الرسوم على الأراضي البيضاء بسعر معين أو قيمة معينة أمر يجانب الصواب، كون أسعار الأراضي متفاوتة وتختلف بشكل كبير، “مثلا مليون متر بقلب جدة سعر متره خام 1200 ريال تقريباً، ومليون متر بقلب أبها سعر متره الخام 450 ريالا تقريباً، والرسوم لكليهما واحدة فكيف الحال مع أرض خام مترها 50 ريالا ببريدة مثلا ورسومها تقارب قيمتها”.
وأضاف: “تفعيل القرار بشكل عاجل سينتج عنه تسارع في تخطيط الأراضي البيضاء وكثرة المعروض في فترة واحدة ما ينتج عنه وفرة في العرض لن تقابلها الوفرة نفسها في الطلب، ما سيدفع الأسعار للانخفاض والتراجع بشكل كبير ينتج عنها عزوف الملاك عن البيع والتمسك بأراضيهم، ودفع الرسوم، وتحميلها لسعر المتر، وستكون بازدياد مطرد تقابله نسبة الرسوم كل سنة”.
وزاد: “وللحد من آثار ذلك يجب أن يكون تحديد الرسوم بنسبة مئوية عقلانية مشابهة لنسبة الزكاة الشرعية، وهي 2.5 في المائة من سعر الأرض، أو تحسب عند البيع بنسبة لا تتجاوز 2.5 في المائة، بحيث لا يلزم التاجر بدفعها مقدما، ولكن تجمع عند الإفراغ بشكل تراكمي من تاريخ تفعيل القرار بأثر رجعي عن كل سنة”.